الشهيد والثورة
(By هادي المدرسي) Read EbookSize | 20 MB (20,079 KB) |
---|---|
Format | |
Downloaded | 570 times |
Last checked | 7 Hour ago! |
Author | هادي المدرسي |
عند الله لا وقت للجهاد، فكل الأوقات هي للجهاد، هذا قدرنا الذي لا مفر منه، فلا يكفي أن تكون مجاهدا خلال فترة من حياتك ثم تنسحب، كل لحظة أنت مطالب فيها بالجهاد: مع العدو أو مع النفس، لا فرق..فالله لا يسألنا عن البداية فقط ولا عن النهاية فحسب، وإنما يسألنا عن كافة لحظات الحياة التي عشناها على وجه الأرض: كلها يجب أن تكون جهادا...فما هو الجهاد؟ الجهاد هو: الثورة الدائمة في سبيل الله والحق والعدل والحرية … هكذا كانت حياة الحسين عليه السلام…إن الجهاد ذو قيمة خاصة لدى الحسين، فيوم لا يستطيع أن يحارب تجده يتعهد أولاد المجاهدين فكان كلما وصله مال في عهد معاوية (( يبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفين، فإن بقي شئ نحر به الجزر وسقى به اللبن ))…أو ليس على القائد أن يشارك أفراد الشعب في العمل من أجل المظلومين والفقراء والمعدمين؟
أشعلت (عاشوراء) أملا كاد أن يموت في القلوب … وأصبحت مقاومة الظلم حتمية دينية فرضتها روح كربلاء .
ليست القضية: إن الحسين قتل .. وإنما القضية: أن الحسين قام بثورة، وبين القتل والثورة مسافة طويلة، هي المسافة بين الأيديولوجية، والشهادة من أجلها، وبين المغامرة وشهوة الموت ..
إن الحسين تحول بالشهادة المأساوية، والتلاحم بين الفكر والممارسة، وتقديم كل ما يملك قربانا لتحريك الوضع وتغييره، إلى رمز الثورة ...فالرمز في هذه الثورة هو الأهم: لأنه العطاء الذي لن ينضب.. ونقطة الدم الساخنة التي ستظل تنزف بالكبرياء والكرامة، وتنبض بالحق والحرية على مدى التاريخ.
كانت شعارات الثورة ثلاث كلمات: من أجل الإصلاح .. من أجل الحق .. من أجل التحرر .والإصلاح .. تعني إرجاع الأوضاع الشاذة إلى وضعها الطبيعي، من دون أن يكون للإمام مطمع مادي في ذلك . إن الحق يعني: سيادة القيم الإنسانية . وهي القيم التي تتكفل بتحقيق الخير، والرفاه للإنسان، والحق هو هدف كل الأديان والرسالات.التحرر من قيود المجتمع الفاسد.. والتحرر من ضغط الشهوات.. فمن دون (الحرية) لايمكن تحقيق الحق، ومن دون الحق لايمكن الإصلاح.
إن الحرية مطية الحق، كما إن الحق هو الإصلاح والحرية – بعد ذلك – الميزة التي أعطاها الله للإنسان، وبها كرمه على كثير من الخلق.
البطل يبقى في حدود واقعه المادي ملكاً لنفسه مادام حيا بين الناس فإذا مات أو قتل انقلب إلى ملك الجماهير بلا حدود ولا آفاق.
حين يذوب الشخص نفسه في القيم تحمله القيم إلى كل قلب وكل أرض وكل عصر ..مادامت القيم السامية أسيرة في عبارات وكلمات تبقى حقائق نظرية لا تثير مشاعر الناس ولا تحرك أعصابهم ..بينما إذا تجسدت القيم في أشخاص ودخلت معهم في تيار الحياة برز للناس جمالها وروعتها وأثارت عاصفة من الأحاسيس والعواطف.
كانت ملحمة كربلاء مدرسة تربوية كاملة وليست فقط درسا أو دروسا في التربية، لأنها احتوت على دروس للرجال والنساء والكبار والصغار والأحرار والعبيد والأغنياء والفقراء.
لقد قامت زينب بإدارة نصف الصراع الذي دار بين الحق والباطل في ملحمة كربلاء لتعطي نساءنا اليوم وفي المستقبل درسا عظيما هو أن على النساء أن يقمن بدورهن في الجهاد ضد الظلم والتحريف.
التصميم والطهر: صفتان متلازمتان، للثورات المقدسة في المراحل التصحيح، فلا ينفع التصميم إذا لم يرافقه الطهر، ولا ينفع الطهر إذا لم يرافقه التصميم.
مستحيل أن تنطلق ثورة إلا إذا كان رجالها مصممين على المضي على الطريق مهما كلف الأمر .. وحتى مع العلم بالموت في بعض الأحيان .
إن الطاهر يكون ـ عادة ـ صريحا فلا يخادع ، ولا يراوغ لأن المراوغة والخداع لا تلائمان طبيعة (الطاهر).
ان الانتصار كان ملء يد الامام في جميع لحظات المجابهة مع يزيد، اذا كان مستعدا أن يتنازل عن الطهر، ويضع يده المقدسة في يد يزيد الظالم، راكب الفجور، قاتل النفس المقدسة.لكن .. حاشاه وهو بطل القديسين، وقديس الأبطال .. حاشاه .
لا صداقة دائمة .. ولا عداوة دائمة .. بل قيم دائمة …من وقف مع القيم: فالصداقة معه مرتبطة بوجود تلك القيمة، ومن خالف القيم: فالعداء معه مرتبط بوجود حالته السلبية تجاه القيمة .
عندما يتعود الناس على الدنيا يدمنون عليها، فلا يستطيع (أوضح) حق أن يشدهم إلى موقف، بينما يستطيع (أظلم) باطل أن يحملهم على مواقف ..
إن كل حضارات التاريخ إنما بدأت، وقامت، لوجود مبرراتها وعندما كانت هذه المبررات تعجز عن تقديم مواقف عملية، كانت الحضارات تسقط تباعا...
إن قضية الإمام ليست قضية شخص كان له أعداء فانهالوا عليه وقتلوه، وإنما هي قضية قيم إنسانية سحقها البعض في وضح النهار، وعلى رؤوس الأشهاد، فثار من أجلها الحسين عليه السلام، ذلك لأن الحسين ثار من أجل حق مظلوم ..
إن طبيعة المجتمع العشائري نابعة من طبيعة الخضوع لغير الله، حيث إنها تقوم على أساس (القرابة) و (البطون) وليس على أساس الكفاءات، والالتزام بالمبادئ .فالولاء لغير الله يؤدي إلى الولاء للعشيرة، أو القبيلة، أو ما شابه ذلك من الحبال الزائفة، البديلة عن حبل الله المتين .
إن النظام الذي يعزز المنفلت عن الالتزامات الخلقية والإنسانية والذي يكرس حكم الظلم، والفسق, والإلحاد لهو نظام فاسد يجب – وجوبا شرعيا- مقاومته، والذي يخضع له إنما هو من أهل النار ...
إن الإمام الحسين عليه السلام كان ينطلق في ثورته من ضرورة إحداث شرخ كبير في الأوضاع التي كانت قائمة، وهذا الشرخ كان بحاجة إلى عملية تضحوية ضخمة من النوع الذي قام به، لأن السبات العميق الذي كان يضرب بأقدامه في عمق المجتمع، لم يكن بالذي يمكن إزالته بالخطب والكلمات والنصائح بل كان لابد من هزة قوية ، كلمسة كهربائية تبعث الحياة في الخلايا الهامدة . كان الإمام يريد هدم العلاقات القائمة .. وهدم النظام القائم .. وهدم الشخصية السباتية التي صارت جزءاً من شخصية الإنسان المسلم في ذلك العصر بفعل سياسة الحكام .. وعلى أنقاض ذلك كان يريد أن يبعث الشخصية الإسلامية ذات الروح الجهادية إلى الحياة .”